ولم تضرب عليهم الذلة بسؤالهم هذه الحبوب لأنّه أمر مباح ؛ ولأنّ في شهوة الإنسان ـ التي هي من خلق الله ـ تلوّن الأطعمة عليه ، وقلة الصبر على طعام واحد ، ولذلك اتصلت بمسألتهم الإجابة بقوله : (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) ولكن الذلّة والمسكنة بما ذكره الله بعد ، وهو : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا). (٦٢)
أي : من آمن بمحمد ومن هو من أهل الكتاب. كلّهم سواء إذا آمنوا في مستقبل عمرهم ، وعملوا الصالحات ، (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) لا تختلف حال الآخر باختلاف الأحوال المتقدمة ، وعلى هذا قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) ، (١) أي : في مستقبل عمركم.
وسمّوا اليهود لأنّهم هادوا ، أي : تابوا. وقيل : للنسبة إلى يهوذا بن يعقوب.
والنصارى : لنزول عيسى قرية ناصرة ، فكان يقال له : عيسى الناصري ، ثم نسب قومه إليه.
والصابئون : قوم يقرؤون الزبور ، ويصلّون للقبلة لكنهم يعظّمون الكواكب لا على وجه العبادة. وهذا مذهب أبي حنيفة رحمهالله فيهم ، حتى جوّز التزوج بنسائهم.
وقيل : بل هم قوم انحرفوا ومالوا عن الأديان ، لأنّه مهموز من : صبأت النجوم ، وصبأ ناب الصبيّ. صبأ الرجل : إذا خرج من أرضه ، فكأنهم خرجوا عن الأديان.
وغير مهموز وبه قرأ نافع (٢) ، من : صبا يصبو : إذا مال إلى الشيء.
__________________
(١) سورة النساء : آية ١٣٦.
(٢) قرأ : «الصابين» غير مهموز نافع وأبو جعفر. الإتحاف ص ١٣٨.