أي : ما تضمروه من معصية ، وتعزموا عليه من مفسدة.
وقال مجاهد : من الشكّ واليقين.
ولا يقال : إنها نسخت بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) ؛ لأنّ النسخ بيان مدّة المصلحة في الشرائع ، لا في الأخبار والمواعيد ، ولأنّ تكليف ما ليس في الوسع لم يكن قط حتى ينسخ.
ـ وما روي أنّ الصحابة رضي الله عنهم عزّ عليهم نزولها ، وقالوا : إنا لنحدّث أنفسنا به ، ما يمكننا أن ندرءه عنا ، فقد كلّفنا ما لا نطيق ، فنزلت : (لا يُكَلِّفُ اللهُ) فحديث صحيح (٢) ، إلا أنها نزلت على إزالة التوهم ، لا على نسخ الخبر المتقدم.
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا). (٢٨٦)
__________________
(١) يؤيد هذا القول ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) فذلك سرائرك وعلانيتك. (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). فإنها لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة يقول : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ممّا لم تطلع عليه ملائكتي ، فأمّا المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم ، وهو قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) يقول : يخبركم ، وأمّا أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ).
(٢) الحديث أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي هريرة قال : لمّا نزلت على رسول الله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتوا رسول الله ثم جثوا على الركب فقالوا : يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا؟! بل قولوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ..). إلى آخر الآية. راجع الدر المنثور ٢ / ١٢٧ ؛ وصحيح مسلم رقم ١٢٥ ، ومسند أحمد ٢ / ٤١٢ ، وتفسير الطبري ٣ / ١٤٦.