رغبة الناس عن الدين الحنيف ، بل موجب للخروج من الدين ، فان الحكيم الشارع لا بد له ملاحظة طاقة الناس واستعدادهم في تحمل الأحكام والعمل بها ، ومثله التبعيض في الاحتياط فانه لو لم يوجب حرجا شديدا ، لكنه موجب رغبة جمهرة الناس عن الدين.
وبالجملة : البناء على الاحتياط المطلق ، أو بمقدار ميسور ، في جميع التكاليف من العبادات والمعاملات والمناكحات ، وغيرها يستلزم الحرج الشديد في بعض الأحوال ، ورغبة الناس عن الدين ، وقلة العاملين من العباد للأحكام في بعض آخر فلأجل هذا كله ، أمضى عمل العقلاء وبنائهم في العمل بالظنون واخبار الآحاد بمقدار يؤسس لهم نظاما صحيحا ، وهذا وان استلزم فسادا وتفويتا غير انه في مقابل إعراض الناس عنه ، وخروجهم منه وقلة المتدينين به ، لا يعد الا شيئا طفيفا يستهان به ثم ان الشيخ الأعظم (قدسسره) التزم بقبح التعبد بالظنون في حال الانفتاح واما حال الانسداد فقد ذهب إلى ان التفويت متدارك بالمصلحة السلوكية ، وأوضحه بعض أعاظم العصر بما حاصله : ان قيام الأمارة يمكن ان يكون سببا لحدوث مصلحة بل المصلحة في تطرق الطريق ، وسلوك الأمارة ، وتطبيق العمل على مؤداها والبناء على انه هو الواقع ، بترتيب الآثار المترتبة على الواقع على المؤدى وبهذه المصلحة السلوكية يتدارك ما فات من المكلف. انتهى
أقول وفيه مواقع للنظر منها ان حجية الأمارة في الشرع ليس إلّا إمضاء ما كان في يد العقلاء في معاشهم ومعادهم ، من غير ان يزيد عليه شيئا أو ينقص منه شيئا ومن المعلوم ان اعتبار الأمارات لأجل كونها طريقا للواقع فقط من دون ان يترتب على العمل بها مصلحة وراء إيصالها إلى الواقع ، فليس قيام الأمارة عند العقلاء محدثا للمصلحة لا في المؤدى ولا في العمل بها وسلوكها. وعليه فالمصلحة السلوكية لا أساس لها.