والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق. والمعنى : أو كمثل ذوي صيب. والمراد : كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة ، فلقوا منها ما لقوا.
قال : والصحيح الذي عليه علماء أهل البيان لا يتخطونه : أن المثلين جميعا من جهة التمثيلات المتركبة ، دون المفرقة ، لا يتكلف لواحد واحد شيء بقدر شبهه فيه.
وهذا القول الفحل ، والمذهب الجزل ، بيانه : أن العرب تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها عن بعض ، لم يأخذ بحجزة ذاك. فتشبهها بنظائره ، كما جاء في القرآن حيث شبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها. كقوله تعالى : ٦٢ : ٥ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) الغرض : تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة. وتساوي الحالين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأحمال ولا يشعر من ذلك إلا بما يزيده من الكد والتعب ، وكقوله تعالى : ١٨ : ٤٥ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة هذا النبات. فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالافراد غير منوبة بعضها ببعض ، وتصييرها شيئا واحدا فلا كذلك ، لما وصف من وقوع المنافقين في ضلالتهم ، وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة ، فشبه حيرتهم وشدة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل. وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة ، مع رعد وبرق وخوف من الصواعق.
قال : فإن قلت أي المثلين أبلغ؟.
قلت : الثاني. لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ، وفظاعته. وكذلك أفرادهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ.