القيامة» فأخبر أن جزاءه يكون من جنس عمله ، فيجزى على تلك الصدقة بحشف من جنسها.
وهذا الباب يفتح لك أبوابا عظيمة من فهم المعاد ، وتفاوت الناس في أحواله ، وما يجري فيه من الأمور.
قوله تعالى ذكره :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ. وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل : بنارهم فإن النار فيها الإحراق والإشراق. فذهب بما فيها من الإضاءة والإشراق ، وأبقى عليهم ما فيها من الأذى والإشراق ، وكذلك حال المنافقين : ذهب نور إيمانهم بالنفاق ، وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم ، وقلوبهم قد صليت بحرها وأذاها ، وسمومها ووهجها في الدنيا ، فأصلاها الله تعالى إياها يوم القيامة نارا مؤصدة تطلع على الأفئدة.
فهذا مثل من لم يصبه نور الإيمان في الدنيا ، بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به ، وهو حال المنافق ، عرف ثم أنكر وأقر ثم جحد. فهو في ظلمات أصم أبكم أعمى ، كما قال تعالى في حق إخوانهم من الكفار : ٦ : ٣٩ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) وقال تعالى : ٢ : ١٧١ (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
شبه الله تعالى حال المنافقين في خروجهم من النور بعد أن أضاء لهم بحال مستوقد النار ، وذهاب نورها عنه بعد أن أضاءت ما حوله ، لأن المنافقين بمخالطتهم المسلمين وصلاتهم معهم ، وصيامهم معهم ، وسماعهم القرآن ، ومشاهدتهم أعلام الإسلام ومناره ، قد شاهدوا الضوء ورأوا النور