عيانا. ولهذا قال تعالى في حقهم (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إليه. لأنهم فارقوا الإسلام بعد أن تلبسوا به واستناروا. فهم لا يرجعون إليه. وقال تعالى في حق الكفار (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) لأنهم لم يعقلوا الإسلام ، ولا دخلوا فيه ، ولا استناروا له ، لا بل يزالون في ظلمات الكفر صم بكم عمي.
فسبحان من جعل كلامه لأدواء الصدور شافيا. وإلى الإيمان وحقائقه مناديا ، وإلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم داعيا ، وإلى طريق الرشاد هاديا. لقد اسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعية ، وشفت مواعظ القرآن لو وافقت قلوبا خالية. ولكن عصفت على القلوب أهوية الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها. وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة فأغلقت أبواب رشدها وأضاعت مفاتيحها. وران عليها كسبها فلم ينفع فيها الكلام ، وسكرت بشهوات الغي وشبهات الباطل ، فلم تصغ بعد إلى الملام. ووعظت بمواعظ أنكى فيها من الأسنة والسهام ، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة ، وأسر الهوى والشهوة. وما لجرح بميت إيلام.
وأما الصم والوقر ففي قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) وقوله : ٤٧ : ٢٣ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) وقوله : ٧ : ١٧٩ (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) وقوله تعالى : ٤١ : ٤٤ (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
قال ابن عباس : في آذانهم صمم عن استماع القرآن ، وهو عليهم عمى. أعمى الله قلوبهم فلا يفقهون. أولئك ينادون من مكان بعيد ، مثل البهيمة التي لا تفهم إلا دعاء ونداء.
وقال مجاهد : بعيد من قلوبهم. وقال الفراء : تقول للرجل الذي لا