الْعالَمِينَ) ومعلوم أنهم لم يسوهم برب العالمين في الخلق والربوبية ، وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم.
هذا حال قلب المؤمن : توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه ، لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة. ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته ، ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفه. وكان الله سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم ، بل الشرك الذي لا يغفره الله لعبده : هو أن يشرك به في الحب والتعظيم ، فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره كما يحب الله تعالى ويعظمه قال تعالى : ٢ : ١٦٥ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب الله تعالى ، وأن المؤمن أشد حبا لله من كل شيء. وقال أهل النار في النار : ٢٦ : ٩٧ ، ٩٨ (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ومن المعلوم : أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأليه والعبادة ، وإلا فلم يقل أحد قط : إن الصنم أو غيره من الأنداد مساو لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله ، وفي خلق السموات والأرض ، وفي خلق عابده أيضا. وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
وأيضا من هؤلاء وأسوأ حالا من سوّى كل شيء بالله سبحانه في الوجود ، وجعله وجود كل موجود ، كامل أو ناقص ، فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوّى بينه وبين الأصنام في الحب ، مع اعتقاد تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذات والأوصاف والأفعال ، فكيف بمن سوّى الله بالموجودات في جميع ذلك ، بل كيف بمن جعل ربه كل هذه الموجودات؟ وزعم أن من عبد حجرا أو شجرا ، أو حيوانا فما عبد غير الله في كل معبود.
قول الله تعالى ذكره : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١))