وحكمته وعزته وكماله المقدس : يأبى ذلك كل الإباء. ومن ظن ذلك به وجوزه عليه ، فهو من أبعد الخلق عن معرفته ، وإن عرف منه بعض صفاته كصفة القدرة ، وصفة المشيئة.
والقرآن مملوء من هذه الطريق. وهي طريق الخاصة ، بل خاصة الخاصة ، هم الذين يستدلون بالله على أفعاله ، وما يليق به أن يفعله ، وما لا يفعله.
وإذا تدبرت القرآن رأيته ينادي على ذلك. فيبديه ويعيده لمن له فهم ، وقلب واع عن الله. قال الله تعالى : ٦٩ : ٤٤ (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ٤٦ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ٤٧) أفلا تراه كيف يخبر سبحانه : أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل ، بل أن يجعله عبرة لعباده. كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه. وقال تعالى : ٤٢ : ٢٤ (أَمْ يَقُولُونَ : افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً. فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) هاهنا انتهى جواب الشرط ، ثم أخبر خبرا جازما غير معلق (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) : أنه يمح الباطل ويحق الحق.
وقال تعالى : ٦ : ٩١ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ، إِذْ قالُوا : ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فأخبر أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره ، ولا عرفه كما ينبغي ، ولا عظمة كما يستحق ؛ فكيف من ظن أنه ينصر الكاذب المفترى عليه ، ويؤيده ويظهر على يديه الآيات والأدلة؟ وهذا في القرآن كثير جدا يستدل بكماله المقدس ، وأوصافه وجلاله على صدق رسله وعلى وعده ووعيده ، ويدعو عباده إلى ذلك ، كما يستدل بأسمائه وصفاته على وحدانيته وعلى بطلان الشرك كما في قوله ٥٩ : ٢٢ ـ ٢٣ (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ،