هذا؟ قال : نعم ولدت سخلة عام أول ، فأكلها الذئب بهذا المكان ، ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو ، ويحنو عنقه إليها. فقال : أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا : لا. قال : فإنه يلعن راكبته ويزعم أنها رحلته على مخيط وهو في سنامه. قال : فانتهينا إليهم. فقلنا : يا هؤلاء ، إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته ، ويزعم أنها رحلته على مخيط ، وأنه في سنامه ، قال : فأناخوا البعير وحطوا عنه ، فإذا هو كما قال.
فهذه شاة قد حذرت سخلتها من الذئب مرة فحذرت. وقد حذر الله سبحانه ابن آدم من ذئبه مرة بعد مرة ، وهو يأبى إلا أن يستجيب له إذا دعاه ، ويبيت معه ويصبح ١٤ : ٢٣ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ، ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ، إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ. إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
قول الله تعالى ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)) فأمرهم بالصبر ، وهو حال الصابر في نفسه.
والمصابرة : مقاومة الخصم في ميدان الصبر ، فإنها مفاعلة ، تستدعي وقوفها بين اثنين ، كالمشاتمة والمضاربة ـ فهي حال المؤمن في الصبر مع خصمه.
والمرابطة ، وهي الثبات واللزوم ، والإقامة على الصبر والمصابرة.
فقد يصبر العبد ولا يصابر ، وقد يصابر ولا يرابط. وقد يصبر ولا يصابر ، ويرابط من غير تعبد بالتقوى.
فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله : التقوى ، وأن الفلاح موقوف عليها.