سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم. قالوا : وهم بالمدينة؟ قال : وهم بالمدينة ، حبسهم العذر».
وعلى هذا فالصواب أن يقال : الآية دلت على أن القاعدين من غير أولي الضرر عن الجهاد لا يستوون هم والمجاهدون ، وسكت عن حكمهم بطريق منطوقها ولا يدل مفهومها على مساواتهم للمجاهدين ، بل هذا النوع منقسم إلى معذورين من أهل الجهاد ، غلبه عذره ، وأقعده عنه ، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها وإنما أقعده العجز.
فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد. وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية.
وأما الأركاس فقال تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)) قال الفراء «أركسهم» ردهم إلى الكفر ، وقال أبو عبيدة : يقال : أركست الشيء وركسته ـ لغتان ـ إذا رددته. والركس : قلب الشيء على رأسه ، أو ردّ أوله على آخره. والارتكاس الارتداد. قال أمية :
فأركسوا في حميم النار ، إنهم |
|
كانوا عصاة ، وقالوا الإفك والزورا |
ومن هذا يقال للروث : الركس ، لأنه رد إلى حال النجاسة. ولهذا المعنى سمي رجيعا والركس والنكس ، والمركوس والمنكوس : بمعنى واحد. قال الزجاج : أركسهم نكسهم وردهم. والمعنى : أنه ردهم إلى حكم الكفار من الذل والصغار. وأخبر سبحانه عن حكمه وقضائه فيهم وعدله ، وإن إركاسه لهم كان بسبب كسبهم وأعمالهم ، كما قال ٨٣ : ١٤ (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) فهذا توحيده ، وهذا عدله لا ما يقوله القدرية والمعطلة من أن التوحيد : إنكار الصفات والعدل والتكذيب بالقدر.