قيل : إن أريد بكونه مقدورا : سلامة آلة العبد التي يتمكن بها من الفعل ، وصحة أعضائه ، ووجود قواه ، وتمكينه من أسباب الفعل ، وتهيئة طريق فعله وفتح الطريق له. فنعم ، هو مقدور بهذا الاعتبار. وإن أريد بكونه مقدورا : القدرة المقارنة للفعل ، وهي الموجبة له التي إذا وجدت لم يتخلف عنها الفعل. فليس بمقدور بهذا الاعتبار.
وتقرير ذلك : أن القدرة نوعان : قدرة مصححة ، وهي قدرة الأسباب والشروط وسلامة الآلة ، وهي مناط التكليف. وهذه متقدمة على الفعل غير موجبة له. وقدرة مقارنة للفعل ، مستلزمة له ، لا يتخلف الفعل عنها. وهذه ليست شرطا في التكليف. فلا يتوقف صحته وحسنه عليها. فإيمان من لم يشأ الله إيمانه ، وطاعة من لم يشأ طاعته : مقدور بالاعتبار الأول ، غير مقدور بالاعتبار الثاني.
وبهذا التحقيق تزول الشبهة في تكليف ما لا يطاق ، كما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
فإذا قيل : هل خلق لمن علم أنه لا يؤمن قدرة على الإيمان أم لم يخلق له قدرة؟.
قيل : خلق له قدرة مصححة متقدمة على الفعل ، هي مناط الأمر والنهي. ولم يخلق له قدرة موجبة للفعل مستلزمة له ، لا يتخلف عنها. فهذه فضله يؤتيه من يشاء ، وتلك عدله التي تقوم بها حجته على عبده.
فإن قيل : فهل يمكنه الفعل ولم يخلق له هذه القدرة؟.
قيل : هذا هو السؤال السابق بعينه. وقد عرفت جوابه. وبالله التوفيق.
قول الله تعالى : ٥ : ٣ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).