المثل الأول : رجل خرج من بيته إلى الصلاة ، لا يريد غيرها. فعرض له في طريقه شيطان من شياطين الإنس ، فألقى عليه كلاما يؤذيه. فوقف ورد عليه ، وتماسكا. فربما كان شيطان الإنس أقوى منه ، فقهره ، ومنعه عن الوصول إلى المسجد ، حتى فاتته الصلاة. وربما كان الرجل أقوى من شيطان الإنس ، ولكن اشتغل بمهاوشته عن الصف الأول ، وكمال إدراك الجماعة. فإن التفت إليه أطمعه في نفسه. وربما فترت عزيمته. فإن كان له معرفة وعلم زاد في السعي والجمز (١) بقدر التفاته أو أكثر ، فإن أعرض عنه واشتغل بما هو بصدده ، وخاف فوت الصلاة أو الوقت : لم يبلغ عدوه منه ما شاء.
المثل الثاني : الظبي أشد سعيا من الكلب ، ولكنه إذا أحس به التفت إليه فيضعف سعيه ، فيدركه الكلب فيأخذه.
والقصد : أن في ذكر هذا الرفيق : ما يزيل وحشة التفرد ، ويحث على السير والتشمير للحاق بهم.
وهذه إحدى الفوائد في دعاء القنوت «اللهم اهدني فيمن هديت» أي أدخلني في هذه الزمرة ، واجعلني رفيقا لهم ومعهم.
والفائدة الثانية : أنه توسل إلى الله بنعمه وإحسانه إلى من أنعم عليه بالهداية أي قد أنعمت بالهداية على من هديت ، وكان ذلك نعمة منك. فاجعل لي نصيبا من هذه النعمة ، واجعلني واحدا من هؤلاء المنعم عليهم. فهو توسل إلى الله بإحسانه.
والفائدة الثالثة : كما يقول السائل للكريم : تصدق عليّ في جملة من تصدقت عليهم ، وعلمني في جملة من علمته. وأحسن إلي في جملة من شملته بإحسانك.
__________________
(١) جمز الإنسان والبعير وغيره يجمز جمزا وجمزي وهو عدو دون الحضر وفوق العنيد ، وبعير جماز وناقة جمازة. يقال : حمار جمّاز : وثاب ، وجمزي : سريع.