والثاني : مكروه له مبغوض مسخوط ، وهو الاعتداء ، فأمر بما يحبه الله وندب إليه ، وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو أبلغ طرق الزجر والتحذير. وهو أنه لا يحب فاعله ، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله؟.
وفي قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) عقب قوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم.
فقسمت الآية الناس إلى قسمين : داع لله تضرعا وخفية ، ومعتد بترك ذلك.
فصل
وقوله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها).
قال أكثر المفسرين : لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة ، والدعاء إلى طاعة الله. فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض ، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره. قال تعالى : ٣٠ : ٤١ (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) وقال عطية في الآية : ولا تعصوا في الأرض ، فيمسك الله المطر ، ويهلك الحرث بمعاصيكم. وقال غير واحد من السلف : إذا قحط المطر فإن الدواب تلعن عصاة بني آدم ، وتقول : اللهم ألعنهم ، فبسببهم أجدبت الأرض وقحط المطر.
وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو أعظم الفساد في الأرض ، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بأن يكون الله وحده هو المعبود ، والدعوة له لا لغيره ، والطاعة والإتباع لرسوله ليس إلا ، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول. فإذا أمر