فهذا الاعتراض على هذا المسلك.
فصل
المسلك الثاني : أن قريبا في الآية من باب تأويل المؤنث بمذكر موافق له في المعنى كقول الشاعر :
أري رجلا منهم أسيفا كأنما |
|
يضم إلى كشحيه كفا مخضبا |
فكف مؤنث ولكن تأويله بمعنى عضو وطرف فذكر صفته فكذلك تؤوّل الرحمة وهي مؤنثة بالإحسان فيذكر خبرها.
قالوا وتأويل الرحمة بالإحسان أولى من تأويل الكف بعضو لوجهين أحدهما : أن الرحمة معنى قائم بالراحم والإحسان هو بر المرحوم ومعنى القرب في البر من الحسنين أظهر منه في الرحمة.
الثاني : أن ملاحظة الإحسان بالرحمة الموصوفة بالقرب من المحسنين هو مقابلة للإحسان الذي صدر منهم باعتبار المقابلة ازداد المعنى قوة واللفظ جزالة حتى كأنه قال إن إحسان الله قريب من أهل الإحسان ، كما قال تعالى : ٥٥ : ٦٠ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) فذكر قريبا ليفهم منه أنه صفة المذكر وهو الإحسان فيفهم المقابلة المطلوبة.
قالوا : ومن تأويل بمذكر ما أنشده الفراء :
وقائع في مضر تسعة |
|
وفي وائل كانت العاشرة |
فتأول الوقائع وهو مؤنثة بأيام الحرب المذكرة فأنث العدد الجاري عليها فقال «تسعة» ولو لا هذا التأويل لقال تسع لأن الوقائع مؤنثة.
قالوا : وإذا جاز تأويل المذكر بمؤنث في قول من قال : جاءته كتابي أي صحيفتي. وفي قول الشاعر :
يا أيها الراكب المربى مطيته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصوت |