لا ينافي كراهته لهذا الضد.
فنقول للسائل : قعودهم مبغوض له ، ولكن هاهنا أمران مكروهان له سبحانه. أحدهما : أكره له من الآخر. لأنه أعظم مفسدة. فإن قعودهم مكروه له ، وخروجهم على الوجه الذي ذكره أكره إليه. ولم يكن لهم بد من أحد المكروهين إليه سبحانه. فدفع المكروه الأعلى بالمكروه الأدنى. فإن مفسدة قعودهم عنه أصغر من مفسدة خروجهم معه. فإن مفسدة قعودهم تختص بهم ، ومفسدة خروجهم تعود على المؤمنين. فتأمل هذا الموضع.
فإن قلت : فهلا وفقهم للخروج الذي يحبه ويرضاه ، وهو الذي خرج عليه المؤمنون؟.
قلت : قد تقدم الجواب مثل هذا السؤال مرارا. وأن حكمته سبحانه تأبى أن يضع التوفيق في غير محله. وعند غير أهله. فالله أعلم حيث يجعل هداه وتوفيقه وفضله. وليس كل محل يصلح لذلك. ووضع الشيء في غير محله لا يليق بحكمته.
فإن قلت : وعلى ذلك فهو جعل المحال كلها صالحة.
قلت : يأباه كمال ربوبية وملكه ، وظهور آثار السماء وصفاته في الخلق والأمر وهو سبحانه لو فعل ذلك لكان محبوبا له. فإنه يجب أن يذكر ويشكر ويطاع ويوحّد ويعبد ، ولكن كان ذلك يستلزم فوات ما هو أحب إليه بين استواء أقدام الخلائق في الطاعة والإيمان. وهو محبته لجهاز أعدائه والانتقام منهم وإظهار قدر أوليائه وشرفهم وتخصيصهم بفضله. وبذل نفوسهم له في معاداة من عاداه ، وظهور عزته وقدرته وسطوته وشدة أخذه وأليم عقابه ، وأضعاف أضعاف هذه الحكم التي لا سبيل للخلق ، ولو تناهوا في العلم والمعرفة. إلى الإحاطة بها. ونسبة ما عقلوه منها إلى ما خفي عليهم كنقرة عصفور في بحر.
قول الله تعالى ذكره : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ