قول الله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))
فإنه ذكر سبحانه الكفار ووصفهم بأنهم ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ، ثم ذكر المؤمنين ووصفهم بالإيمان والعمل الصالح والإخبات إلى ربهم فوصفهم بعبودية الظاهر والباطن ، ثم جعل أحد الفريقين كالأعمى والأصم من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية الحق ، أعمى أصم عن سماعه. فشبه بمن بصره أعمى عن رؤية الأشياء ، وسمعه أصم عن استماع الأصوات.
والفريق الآخر : بصير القلب سميعه بصير العين ، سميع الأذن.
وقد تضمنت الآية قياسين وتمثيلين للفريقين. ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً).
قول الله تعالى ذكره : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢))
أودع الله في قلوب أتباع رسله سرا من أسرار معرفته ومحبته ، والإيمان به خفي على أعداء الرسل ، فنظروا إلى ظواهرهم ، وعموا عن بواطنهم ، فازدروهم واحتقروهم وقالوا للرسول : وهؤلاء عنك حتى نأتيك ونسمع منك ، وقالوا : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) فقال نوح لقومه (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَلا أَقُولُ : إِنِّي مَلَكٌ ، وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً. اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ).
قال الزجاج : المعنى : إن كنتم تزعمون أنهم اتبعوني في بادئ الرأي وظاهره فليس عليّ أن أطلع على ما في أنفسهم ، فإذا رأيت من يوحد الله عملت على ظاهره ورددت علم ما في نفوسهم إلى الله. وهذا معنى حسن.
والذي يظهر من الآية : أن الله يعلم ما في أنفسهم إذ أهّلهم ، لقبول