السادس : أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ ، حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها.
السابع : أن في ضمن هذا : أنه أعفّ منها وأبر ، وأوفى ، حيث كانت هي المراودة الطالبة ، وهو الممتنع ، عفافا وكرما وحياء. وهذا غاية الذم لها.
الثامن : أنهن أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل الدالة على الاستمرار والوقوع حالا واستقبالا ، وأن هذا شأنها ، ولم يقلن : راودت فتاها. وفرق بين قولك : فلان أضاف ضيفا ، وفلان يقري الضيف ويطعم الطعام ، ويحمل الكلّ. فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته.
التاسع : قولهن (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الاستقباح. فنسبن الاستقباح إليهن ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى ولا يكدن يرين ذلك قبيحا ، كما يساعد الرجال بعضهم بعضا على ذلك ، فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلا على أنه من أقبح الأمور ، وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه ، ولا يحسن معاونتها عليه.
العاشر : أنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط ، والطلب المفرط ، فلم تقتصد في حبها ، ولا في طلبها.
أما العشق فقولهن (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أي وصل حبه إلى شغاف قلبها.
وأما الطلب المفرط فقولهن (تُراوِدُ فَتاها) والمراودة : الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق ، وشدة الحرص على الفاحشة.
فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهن مكرا أبلغ منه ، فهيأت لهن متكأ ، ثم أرسلت إليهن ، فجمعتهن ، وخبأت يوسف عليهالسلام عنهن. وقيل : إنها جملته ، وألبسته أحسن ما تقدر عليه ، وأخرجته عليهن فجأة. فلم يرعهنّ إلا وأحسن خلق الله وأجمله قد طلع عليهن بغتة ، فراعهن ذلك