وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك؟ فبناء فعلان للسعة والشمول. ولهذا يقرن استواؤه على العرش بهذا الإسم كثيرا كقوله تعالى : ٢٠ : ٥ (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ٢٥ : ٥٩ (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) فاستوى على عرشه باسم الرحمن ، لأن العرش محيط بالمخلوقات ، قد وسعها. والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم ، كما قال تعالى : ٧ : ١٥٦ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات. فلذلك وسعت رحمته كل شيء. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب ، فهو عنده موضوع على العرش : إن رحمتي تغلب غضبي» وفي لفظ «فهو وضع عنده على العرش».
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ، ووضعه عنده على العرش ، وطابق بين ذلك وبين قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وقوله : ٢٦ : ١٥٦ (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم.
وصفات العدل ، والقبض والبسط. والخفض والرفع. والعطاء والمنع ، والإعزاز والإذلال ، والقهر والحكم ، ونحوها : أخص باسم «الملك» وخصه بيوم الدين ، وهو الجزاء بالعدل ، لتفرده بالحكم فيه وحده ، ولأنه اليوم الحق ، وما قبله كساعة. ولأنه الغاية ، وأيام الدنيا مراحل إليه.
فصل
وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة. وهي : «الله ، والرب ، والرحمن» كيف نشأ عنها الخلق ، والأمر ، والثواب ، والعقاب؟