على إلقاء نفسه في أسفل مكان وأبعده من السماء.
قول الله تعالى ذكره :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣))
حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل ، ويتدبره حق تدبره. فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه.
وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره. والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه ، فكيف بما هو أكبر منه ، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا محا عليهم من طيب ونحوه ، فيستنقذوه منه. فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات ، ولا على الانتصار منه ، واسترجاع ما سلبهم إياه. فلا أعجز من هذه الآلهة ، ولا أضعف منها. فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟
وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك ، وتجهيل أهله ، وتقبيح عقولهم ، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة ، حيث أعطوا الآلهة التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات ، ولإحاطة بجميع المعلومات ، والغني عن جميع المخلوقات ، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات ، وتفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإجابة الدعوات ـ فأعطوها الصور وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الإلة الحق ، وأذلها وأصغرها وأحقرها. ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه.