بحكاية الأقوال ، بل هما قول واحد. فمن قال : إن المتروك هو السلام عليهم في الأخرى نفسه ، فلا ريب أن قوله (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) جملة في موضع نصب بتركنا. والمعنى : أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء.
ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن. نظر إلى لازم السلام وموجبه ، وهو الثناء عليهم ، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم.
وقد زعمت طائفة ، منهم : ابن عطية وغيره. أن من قال : تركنا عليه ثناء لها حسنا ولسان صدق. كان : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) جملة ابتدائية ، لا محل من الإعراب. وهو سلام من الله سلم به عليه.
قالوا : فهذا السلام من الله أمنة لنوح في العالمين أن يذكره أحد بشر : قاله الطبراني.
وقد يقوي هذا القول : أنه سبحانه أخبر أن المتروك عليه هو في الأخرى وأن المسلم عليه في العالمين ، وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أبقى الله عليه ثناء حسنا. وهذا القول ضعيف لوجوه.
أحدها : أنه يلزم منه حذف المفعول لتركنا ، ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير ، فإن المعنى يؤول إلى : أنا تركنا عليه في الآخرين أمرا لا ذكر له في اللفظ. لأن السلام عند هذا القائل منقطع بما قبله ، لا تعلق له بالفعل.
الثاني : أنه لو كان المفعول محذوفا كما ذكره لذكروه في موضع واحد ، ليدل على المراد منه عند حذفه. ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن. وهذه طريقة القرآن ، بل وكل كلام فصيح : أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر ، لدلالة فصيح : أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع آخر ، لدلالة