أفئدتهم وأبصارهم فلم يهتدوا به.
فتأمل هذا الموضع حق التأمل فإنه موضع عظيم. قال تعالى : ٤١ : ١٧ (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فهذا هدى بعد البيان والدلالة وهو شرط لا موجب. فإنه إن لم يقترن به هدى آخر بعده ، لم يحصل به كمال الاهتداء وهو هدى التوفيق والإلهام.
وهذا البيان نوعان : بيان بالآيات المسموعة المتلوة ، وبيان بالآيات المشهودة المرئية. وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله وأسمائه وصفاته وكماله ، وصدق ما أخبرت به عنه ، ولهذا يدعو عباده بآياته المتلوة إلى التفكر في آياته المشهودة عليهم ، ويحضهم على التفكر في هذه وهذه. وهذا البيان هو الذي بعثت به الرسل وجعل إليهم وإلى العلماء بعدهم ، وبعد ذلك يضل الله من يشاء. قال الله تعالى : ١٤ : ٤ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالرسل تبين والله هو الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء بعزته وحكمته.
فصل
المرتبة السابعة : البيان الخاص ، وهو البيان المستلزم للهداية الخاصة ، وهو بيان تقارنه العناية والتوفيق والاجتباء ، وقطع أسباب الخذلان وموادها عن القلب فلا تتخلف عنه الهداية البتة. قال تعالى في هذه المرتبة : ١٦ : ٣٧ (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) وقال : ٢٨ : ٥٦ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) فالبيان الأول شرط. وهذا موجب.
فصل
المرتبة الثامنة : مرتبة الإسماع. قال الله تعالى : ٨ : ٢٣ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ