قول الله تعالى ذكره :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣))
قالوا : الحس شاهد : أن الأجزاء التي في المولود من أمه أضعاف أضعاف الأجزاء التي فيه من أبيه. فثبت أن تكوينه من مني الأم ودم الطمث ، ومني الأب عاقد له كالأنفحة.
ونازعهم الجمهور ، وقالوا : إنه يتكون من مني الرجل والأنثى ، ثم لهم قولان.
أحدهما : أن يكون من مني الذكر أعضاؤه ، وأجزاؤه ، ومن مني الأنثى صورته.
والثاني : أن الأعضاء والأجزاء والصورة تكونت من مجموع الماءين ، وأنهما امتزجا واختلطا وصارا ماء واحدا. وهذا هو الصواب ، لأننا نجد الصورة والتشكيل تارة إلى الأب ، وتارة إلى الأم. والله أعلم.
وقد دل على هذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) والأصل : هو الذكر. فمنه البذر ، ومنه السقي. والأنثى وعاء ومستودع لولده. تربيه في بطنها ، كما تربيه في حجرها. ولهذا كان الولد للأب حكما ونسبا. وأما تبعيته للأم في الحرية والرق فلأنه إنما تكوّن وصار ولدا في بطنها ، وغذته بلبانها مع الجزء الذي فيه منها. وكان الأب أحق بنسبه وتعصيبه لأنه أصله ومادته ونسخته. وكان أشرفهما دينا أولى به ، تغليبا لدين الله وشرعه.