العاشر : أنه سمين لا هزيل. فمعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم ، ومثله يتخذ للاقتناء والتربية ، فآثر به ضيفانه.
الحادي عشر : أنه قربه إليهم بنفسه ، ولم يأمر خادمه بذلك.
الثاني عشر : أنه قربه إليهم ، ولم يقربهم إليه. وهذا أبلغ في الكرامة. أن تجلس الضيف ثم تقرب الطعام إليه ، وتحمله إلى حضرته ، ولا تضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه.
الثالث عشر : أنه قال : «ألا تأكلون؟» وهذا عرض وتلطف في القول ، وهو أحسن من قوله : كلوا ، أو مدوا أيديكم ونحوها. وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه. ولهذا يقولون : بسم الله : أو ألا تتصدق؟ أو ألا تجبر؟ ونحو ذلك.
الرابع عشر : أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون ، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل ، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل قال لهم «ألا تأكلون؟» ولهذا أوجس منهم خيفة ، أي أحسها وأضمرها في نفسه ، ولم يبدها لهم. وهو :
الوجه الخامس عشر : فإنهم لما امتنعوا من الأكل لطعامه خاف منهم ، ولم يظهر لهم الخوف منهم. فلما علمت الملائكة منه ذلك قالوا : «لا تخف» وبشروه بالغلام الحليم.
فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب ، وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف : إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم. وكفى بهذه الآداب شرفا وفخرا. فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما ، وعلى سائر النبيين.