فصل
وأما «العبقري» فقال أبو عبيدة : كل شيء من البسط عبقري. قال : ويرون أنها أرض توشّى البسط فيها ، وقال الليث : عبقر : موضع بالبادية كثير الجن ، يقال : كأنه جن عبقر.
قال أبو عبيدة ، في حديث النبي صلىاللهعليهوسلم ، حين ذكر عمر «فلم أر عبقريا يفري فريه» وإنما أصل هذا ، فيما يقال : أنه نسب إلى عبقر ، وهي أرض يسكنها الجن ، فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع ، وأنشد لزهير :
تخيل عليها جنة عبقرية |
|
جديرون يوما أن ينالوا فيستعملوا |
وقال أبو الحسن الواحدي : وهذا القول هو الصحيح في العبقري. وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن ، أو شبهته بهم. ومنه قول لبيد :
جن الردى رواسيا أقدامها
وقال آخر يصف امرأة :
جنية ، ولها جن يعلمها |
|
رمى القلوب بقوس ما لها وتر |
وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة ، وأنهم يأتون كل أمر عجيب ولما كان «عبقر» معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليه ، يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم ، هذا هو الأصل ، ثم صار العبقري نعتا لكل ما بولغ في صفته.
ويشهد لما ذكرنا : بيت زهير ، فإنه نسب الجن إلى عبقر.
ثم رأينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب ، كقوله في صفة عمر «عبقريا» وروى سلمة عن الفراء قال : العبقري الرشيد من الرجال ، وهو الفاخر من الحيوان والجوهر ، فلو كانت «عبقر» مخصوصة