بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متولدا بينه وبين الجن.
وأما قوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) فالضمير يرجع إلى الجنة ، أي قد علمت الجنة أنهم محضرون الحساب. قاله مجاهد ، أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا الحساب ، كما قال تعالى : ٥ : ١٨ (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة.
وهذا التقدير في الآية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله.
الإسم الثاني : دار السلام ، وقد سماها الله تعالى بهذا الإسم في قوله : ٦ : ١٢٧ (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله : ١٠ : ٢٥ (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) وهي أحق بهذا الإسم. فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه. وهي دار الله. واسمه سبحانه وتعالى «السلام» الذي سلمها وسلم أهلها ، وتحيتهم فيها سلام (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) والرب تعالى يسلم عليهم من فوقهم ، كما قال تعالى : ٣٦ : ٥٧ ، ٥٨ (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ. سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) وحديث جابر في سلام الرب تعالى على أهل الجنة. وكلامهم كله فيها سلام ، أي لا لغو فيها ، ولا فحش ولا باطل ، كما قال تعالى : ١٩ : ٦٢ (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً).
وأما قوله تعالى : ٥٦ : ٩٠ ، ٩١ (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) فأكثر المفسرين حاموا حول المعنى ، وما وردوه. وقالوا أقوالا لا يخفي بعدها عن المقصود.
وإنما معنى الآية ـ والله أعلم ـ فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين ، أي فسلام لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وأنكادها ، ومن النار وعذابها ، فبشر بالسلامة عند ارتحاله