والظاهر : أن المراد أنشأهن الله في الجنة إنشاء. ويدل عليه وجوه :
أحدها : أنه قد قال في حق السابقين (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ) ـ إلى قوله ـ (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) فذكر سدرهم ، وآنيتهم ، وشرابهم ، وفاكهتهم وطعامهم ، وأزواجهم من الحور العين. ثم ذكر أصحاب الميمنة ، وطعامهم ، وشرابهم ، وفرشهم ، ونساءهم. والظاهر أنهن مثل نساء من قبلهم ، خلقن في الجنة.
الثاني : أنه سبحانه قال : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) وهذا ظاهر : أنه إنشاء أول لا ثان. لأنه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك ، كقوله : ٥٣ : ٤٧ (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) وقوله : ٥٦ : ٦٢ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى).
الثالث : أن الخطاب بقوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) إلى آخره : للذكور والإناث. والنشأة الثانية أيضا عامة للنوعين. قوله : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء.
وتأمل تأكيده بالمصدر. والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف ، بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة. فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات ، بل هن أحق به منهن فالإنشاء واقع على الصنفين. والله اعلم.
وقوله : «عربا» جمع عروب. وهن المتحببات إلى أزواجهن. قال ابن الاعرابي : العروب من النساء : المطيعة لزوجها ، المتحببة إليه.
وقال أبو عبيدة : العروب الحسنة التبعّل.
قلت : يريد حسن موافقتها وملاطفتها لزوجها عند الجماع.
وقال المبرد : هي العاشقة لزوجها. وأنشد للبيد :
وفي الحدوج عروب غير فاحشة |
|
ربّا الروادف يعشى دونها البصر |