ربه. وإنما نهى عن التشبه به في السبب الذي أفضى به إلى هذه المناداة ، وهي مغاضبته التي أفضت به الى حبسه في بطن الحوت ، وشدة ذلك عليه حتى نادى ربه وهو مكظوم. والكظيم والكاظم الذي قد امتلأ غيظا وغضبا ، أو هما وحزنا ، وكظم عليه فلم يخرجه.
فإن قيل : وعلى ذلك فما العامل في الظرف؟
قيل : ما في «صاحب الحوت» من معنى الفعل.
فإن قيل : فالسؤال بعد قائم ، فإنه إذا قيد المنهي بقيد أو زمن كان داخلا في حين النهي فإن كان المعنى : لا تكن مثل صاحب الحوت في هذه الحال ، أو هذا الوقت. كان نهيا عن تلك الحالة.
قيل : لما كان نداؤه مسببا عن كونه صاحب الحوت ، فنهى أن يشبه به في الحال التي أفضت به إلى صحبته الحوت وألجأته إلى النداء ، وهو ضعف العزيمة وعدم الصبر لحكمه تعالى ، ولم يقل تعالى : ولا تكن كصاحب الحوت إذ ذهب مغاضبا فالتقمه الحوت ، فنادى ، بل طوى القصة واختصرها ، وأحال بها على ذكرها في الموضع الآخر ، واكتفى بغايتها وما انتهت إليه.
فإن قيل : فما منعك بتعويض الظرف بنفس الفعل المنهي عنه؟ أي لا تكن مثله في ندائه وهو ممتلئ غيظا وهما وغما ، بل يكون نداؤك نداء راض بما قضى ربه عليه ، قد تلقاه بالرضى والتسليم وسعة الصدر ، لا نداء كظيم.
قيل : هذا المعنى ، وإن كان صحيحا ، فلم يقع النهي عن التشبه به في مجرده. وإنما نهي عن التشبه به في الحال التي حملته على ذهابه مغاضبا ، حتى سجن في بطن الحوت.
ويدل عليه قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ثم قال : (وَلا