وبسر قد ذنّب ، وماء عذب أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنما ذلك للكفار ، ثم قرأ ٤٣ : ١٧ (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ؟).
وقال الواحدي : والظاهر يشهد بهذا القول. لأن السورة كلها خطاب للمشركين وتهديد لهم. والمعنى أيضا يشهد بهذا القول ، وهو أن الكفار لم يؤدوا حق النعيم عليهم ، حيث أشركوا بربهم وعبدوا غيره ، فاستحقوا أن يسألوا عما أنعم به عليهم ، توبيخا لهم ، هل قاموا بالواجب فيه ، أم ضيعوا حق النعمة؟ ثم يعذبون على ترك الشكر بتوحيد المنعم.
قال : وهذا معنى قول مقاتل ، وهو قول الحسن. قال : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار.
قلت : ليس في اللفظ ولا في السنة الصحيحة ، ولا في أدلة العقل ما يقتضي اختصاص الخطاب بالكفار ، بل ظاهر اللفظ ، وصريح السنة والاعتبار : يدل على عموم الخطاب لكل من اتصف بأنه ألهاه التكاثر. فلا وجه لتخصيص الخطاب ببعض المتصفين بذلك.
ويدل على ذلك : قول النبي صلىاللهعليهوسلم عند قراءة هذه السورة «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت؟ أو لبست فأبليت ـ الحديث» وهو في صحيح مسلم. وقائل ذلك قد يكون مسلما. وقد يكون كافرا.
ويدل عليه أيضا : الأحاديث التي تقدمت ، وسؤال الصحابة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفهمهم العموم ، حتى قالوا له «وأي نعيم نسأل عنه ، وإنما هو الأسودان» فلو كان الخطاب مختصا بالكفار لبين لهم ذلك. وقال : مالكم ولها؟ إنما هي للكفار. فالصحابة فهموا العموم ، والأحاديث صريحة في التعميم. والذي أنزل عليه القرآن أقرهم على فهم العموم.