يا أيها الذين كفروا فسّره ـ والله أعلم ـ إرادة الدلالة على أن من كان الكفر وصفا ثابتا له لازما لا يفارقه ، فهو حقيق أن يتبرأ الله منه ، ويكون هو أيضا بريئا من الله ، فحقيق بالموحد البراءة منه ، فكان في معرض البراءة التي هي غاية البعد والمجانبة بحقيقة حاله ، التي هي غاية الكفر ، وهو الكفر الثابت اللازم ، في غاية المناسبة ، فكأنه يقول : كما أن الكفر لازم لكم ثابت لا تنتقلون عنه فمجانبتكم والبراءة منكم ثابتة لي دائما أبدا ، ولهذا أتى فيها بالنفي الدال على الاستمرار في مقابلة الكفر الثابت المستمر. وهذا واضح.
وأما المسألة التاسعة. وهي : ما هي الفائدة في قوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وهل أفاد هذا معنى زائدا على ما تقدم؟.
فيقال : في ذلك من الحكمة ـ والله أعلم ـ أن النفي الأول أفاد البراءة وأنه لا يتصور منه ، ولا ينبغي له : أن يعبد معبوديهم ، وهم أيضا لا يكونون عابدين لمعبوده ، وأفاد آخر السورة إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشرك والكفر الذي هو حظهم وقسمهم ونصيبهم ، فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو وغيره أرضا فقال له : لا تدخل في حدى ، ولا أدخل في حدك ، لك أرضك ، ولي أرضي.
فتضمنت الآية أن هذه البراءة اقتضت أنا اقتسمنا خطتنا بيننا ، فأصابنا التوحيد والإيمان ، فهو نصيبنا وقسمنا الذي نختص به لا تشركونا فيه ، وأصابكم الشرك بالله والكفر به ، فهو نصيبكم وقسمكم الذي تختصون به لا نشرككم فيه ، فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه.
وهذه المعاني ونحوها إذا تجلت للقلوب. رافلة في حللها ، فإنها تسبي القلوب وتأخذ بمجامعها ، ومن لم يصادف من قلبه حياة فهي خود تزفّ إلى ضرير مقعد ، فالحمد لله على مواهبه التي لا منتهي لها ، ونسأله إتمام نعمته.
وأما المسألة العاشرة. وهي : تقديم قسمهم ونصيبهم على قسمه