وهو أبعد الله عنها. وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان.
وأما قولكم : إن سحر الأنبياء ينافي حماية الله لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم ، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته ، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس ، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء ، صبروا ورضوا ، وتأسّوا بهم ، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعدّ لهم من النكال العاجل ، والعقوبة الآجلة ، فيمحقهم بسبب بغيهم وعدوانهم ، فيعجل تطهير الأرض منهم. فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم. وله الحكمة البالغة ، والنعمة السابغة لا إله غيره ، ولا رب سواه.
وقد دل قوله : (مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) وحديث عائشة المذكور على تأثير السحر ، وأن له حقيقة.
وقد أنكر ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم.
وقالوا : إنه لا تأثير للسحر البتة لا في مرض ، ولا قتل ، ولا حل ، ولا عقد.
قالوا : وإنما ذلك تخييل لأعين الناظرين ، لا حقيقة له سوى ذلك.
وهذا خلاف ما تواترت به الآراء عن الصحابة والسلف ، واتفق عليه الفقهاء ، وأهل التفسير والحديث. وما يعرفه عامة العقلاء.
والسحر الذي يؤثر مرضا وثقلا وعقدا وحبا وبغضا ونزيفا وغير ذلك من الآثار موجود ، تعرفه عامة الناس. وكثير منهم قد علمه ذوقا بما أصيب به منه ، وقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه ، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهرا ، كما يقوله هؤلاء. لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه.
وأيضا فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم