يحدث عنها من الأفعال العجيبة ، والآثار الغريبة إلا من الأرواح ، والأجسام آلتها بمنزلة الصانع؟ فالصنعة في الحقيقة له ، والآلات وسائط في وصول أثره إلى الصنع.
ومن له أدنى فطنة وتأمل لأحوال العالم وقد لطفت روحه ، وشاهدت أحوال الأرواح وتأثيرتها ، وتحريكها الأجسام وانفعالها عنها. وكل ذلك بتقدير العزيز العليم ، خالق الأسباب والمسببات ـ رأى عجائب في الكون ، وآيات دالة على وحدانية الله ، وعظمة ربوبيته ، وأن ثم عالما آخر تجرى عليه أحكام أخر ، تشهد آثارها. وأسبابها غيب عن الأبصار.
فتبارك الله رب العالمين. وأحسن الخالقين الذي أتقن ما صنع ، وأحسن كل شيء خلقه.
ولا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح ، بل هو أعظم وأوسع ، وعجائبه أبهر وآياته أعجب.
وتأمل هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح ، كيف يصير بمنزلة الخشبة أو القطعة من اللحم؟ فأين ذهبت تلك العلوم والمعارف والعقل ، وتلك الصنائع الغريبة ، وتلك الأفعال العجيبة ، وتلك الأفكار والتدبيرات؟ كيف ذهبت كلها مع الروح ، وبقي الهيكل سواء هو والتراب؟ وهل يخاطبك من الإنسان أو يراك أو يحبك أو يواليك ، أو يعاديك ، ويخفّ عليك أو يثقل ، ويؤنسك أو يوحشك إلا ذلك الأمر الذي هو وراء الهيكل المشاهد بالبصر؟.
فرب رجل عظيم الهيولى كبير الجثة. خفيف على قلبك ، حلو عندك. وآخر لطيف الخلقة ، صغير الجثة ، أثقل على قلبك من جبل. وما ذاك إلا للطافة روح ذاك وخفتها وحلاوتها ، وكثافة هذا وغلظ روحه ومرارتها.
وبالجملة : فالعلق والوصل التي بين الأشخاص والمنافرات والبعد : إنما هي للأرواح أصلا والأشباح تبعا.