وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا. وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال : ٢٨ : ٥٤ (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ، وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
وتأمل حال النبي صلىاللهعليهوسلم إذ ضربه قومه حتى أدموه. فجعل يسلت الدم عنه ، ويقول «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان ، قابل بها إساءتهم العظيمة إليه؟.
أحدها : عفوه عنهم. والثاني : استغفاره لهم. والثالث : اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون. والرابع : استعطافه لهم بإضافتهم إليه. فقال «اغفر لقومي»
كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به. هذا ولدي : هذا غلامي. هذا صاحبي ، فهبه لي.
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ، ويطيبه إليها وينعمها به.
اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله ، تخاف عواقبها ، وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك. ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة ، حتى ينعم عليك ويكرمك ، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله. فإذا كنت ترجو هذا من ربك ، وتحب أن يقابل به إساءتك ، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه ، وتقابل به إساءتهم؟ ليعاملك الله تلك المعاملة. فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك ، جزاء وفاقا. فانتقم بعد ذلك ، أو اعف ، وأحسن أو اترك. فكما تدين تدان ، وكما تفعل مع عباده يفعل معك.
فمن تصور هذا المعنى ، وشغل به فكره. هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه.