فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره ، ولا يستنصروا بسواه ولا يلجئوا إلى غير حماه ، فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم ، ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته وملكه وإلهيته لهم ، فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه ومالكه وإلهه؟.
فظهرت مناسبة هذه الإضافات الثلاث للاستعاذة : من أعدى الأعداء وأعظمهم عداوة ، وأشدهم ضررا ، وأبلغهم كيدا.
ثم إنه سبحانه كرر الإسم الظاهر ، ولم يوقع المضر موقعه. فيقول : رب الناس وملكهم وإلههم : تحقيقا لهذا المعنى ، وتقوية له. فأعاد ذكرهم عند كل اسم من أسمائه ، ولم يعطف بالواو لما فيها من الإيذان بالمغايرة.
والمقصود : الاستعاذة بمجموع هذه الصفات ، حتى كأنها صفة واحدة.
وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب.
وأخر الإلهية لخصوصها لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها. فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه. وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه ، ولكن المشرك ترك إلهه الحق واتخذ إلها غيره باطلا.
ووسّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره. فهو المطاع إذا أمر. وملكه لهم تابع لخلقه إياهم. فملكه من كمال ربوبيته. وكونه إلههم الحق من كمال ملكه. فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه. وملكه يستلزم إلهيته : يقتضيها ، فهو الرب الحق ، الملك الحق ، الإله الحق ، خلقهم بربوبيته وقهرهم بملكه. واستعبدهم بإلهيته.
فتأمل هذه الجلالة ، وهذه العظمة ، التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق «رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس».
وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ،