منه البدعة ، وجعله من أهلها صار أيضا نائبه ، وداعيا من دعاته.
فإن أعجزه من هذه المرتبة ، وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة ، ومعاداة أهل البدع والضلال ، نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر. وهي الكبائر على اختلاف أنواعها. فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها. ولا سيما إن كان عالما متبوعا. فهو حريص على ذلك ، لينفر الناس عنه ، ثم يشيع ذنوبه ومعاصيه في الناس ، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا بزعمه إلى الله تعالى ، وهو نائب إبليس ولا يشعر. فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة. هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها. فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها ، لا نصيحة منهم ، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه. كل ذلك لينفر الناس عنه ، وعن الانتفاع به.
وذنوب هذا ـ ولو بلغت عنان السماء ـ هي أهون عند الله من ذنوب هؤلاء ، فإنها ظلم منه لنفسه ، إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته ، وبدّل سيئاته حسنات.
وأما ذنوب أولئك : فظلم للمؤمنين ، وتتبع لعوراتهم ، وقصد لفضيحتهم. والله سبحانه بالمرصاد ، لا تخفى عليه كمائن الصدر ، ودسائس النفوس.
فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة : وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها. كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «إياكم ومحقّرات الذنوب ، فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض» وذكر حديثا معناه : أن كل واحد منهم جاء بعود حطب ، حتى أوقدوا نارا عظيمة فطبخوا واشتووا.
ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها. فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالا منه.