وأما قول بعضهم : إنه من النسيان ، وسمي الإنسان إنسانا لنسيانه. وكذلك الناس سموا ناسا لنسيانهم : فليس هذا القول بشيء. وأين النسيان ، الذي مادته ن س ى إلى الناس الذي مادته ن وس؟ وكذلك أين هو من الأنس الذي مادته أن س؟.
وأما إنسان فهو فعلان من أن س. والألف والنون في آخره زائدتان ، لا يجوز فيه غير هذا ألبتة. إذ ليس في كلامهم : أنسن ، حتى يكون إنسانا إفعالا منه. ولا يجوز أن يكون الألف والنون في أوله زائدتين ، إذ ليس في كلامهم : انفعل. فيتعين أنه فعلان من الأنس. إذ ليس في كلامهم : انفعل. فيتعين أنه فعلان من الأنس.
ولو كان مشتقا من نسي لكان نسيانا لا إنسانا.
فإن قلت : فهلا جعلته افعلالا. وأصله إنسيان ، كليلة إضحيان ، ثم حذفت الياء تخفيفا فصار إنسانا؟
قلت : يأبى ذلك عدم افعلال في كلامهم ، وحذف الياء بغير سبب ، ودعوى ما لا نظير له. وذلك كله فاسد ، على أن «الناس» قد قيل : إن أصله الأناس. فحذفت الهمزة. فقيل : الناس. واستدل بقول الشاعر :
إن المنايا يطلعن على الأناس الغافلينا
ولا ريب أن أناسا فعال. ولا يجوز فيه غير ذلك البتة. فإن كان أصل ناس أناسا ، فهو أقوى الأدلة على أنه من أنس ، ويكون الناس كالإنسان سواء في الاشتقاق.
ويكون وزن ناس ـ على هذا القول ـ : عال. لأن المحذوف فاؤه.
وعلى القول الأول : يكون وزنه : فعل. لأنه من النوس.
وعلى القول الضعيف : يكون وزنه : فلع. لأنه من نسى. فنقلت لامه إلى موضع العين ، فصار ناسا وزنه فلعا.