ومنعه ابتلاء وامتحان ، يمتحن بهما عباده. قال الله تعالى : ٨٩ : ٢٥ و ١٦ (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ، فَيَقُولُ : رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ، كَلَّا) أي ليس كل من أعطيته ونعمته وخولته : فقد أكرمته ، وما ذاك لكرامته عليّ ولكنه ابتلاء مني وامتحان له : أيشكرني فأعطيه فوق ذلك ، أم يكفرني فأسلبه إياه ، وأخول فيه غيره؟ وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه ، وجعلته بقدر لا يفضل عنه فذلك من هوانه عليّ ، ولكنه ابتلاء وامتحان مني له : أيصبر؟ فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق ، أم يتسخط؟ فيكون حظه السخط.
فرد الله سبحانه على من ظن أن سعة الرزق إكرام ، وأن الفقر إهانة ، فقال : لم أبتل عبدي بالغنى لكرامته عليّ ، ولم أبتله بالفقر لهوانه عليّ. فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال وسعة الرزق وتقديره ، فإنه يوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقتّر على المؤمن لا لإهانته ، إنما يكرم من يكرمه بمعرفته ومحبته وطاعته ، ويهين من يهينه بالإعراض عنه ومعصيته. فله الحمد على هذا وعلى هذا ، وهو الغني الحميد.
فعادت سعادة الدنيا والآخرة إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
فصل
القسم الثالث : من له نوع عبادة بلا استعانة. وهؤلاء نوعان.
أحدها : القدرية القائلون بأنه قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف ، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل. فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها وتعريف الطريق وإرسال الرسل ، وتمكينه من الفعل. فلم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إياها ، بل قد ساوى بين أوليائه وأعدائه في الإعانة : فأعان هؤلاء كما أعان هؤلاء ، ولكن أولياءه اختاروا لنفوسهم الإيمان ، وأعداءه اختاروا لنفوسهم الكفر ، من غير أن يكون الله سبحانه وفق