من دون سبق حكم في الجملة كما هو واضح (١).
وهذه النسبة التامة أيضاً بإزائها مدلول تصديقي فيصح إجراء الإطلاق في طرفها الّذي هو النسبة الحكمية نفسها.
وإِنْ شئت قلت : الموضوع بما هو موضوع للحكم ، وهذا يعني انه بحسب الحقيقة تتضمن الجملة الاستثنائية على نسبتين تامتين ومدلولين تصديقيين إحداهما النسبة التامة في طرف المستثنى منه وبإزائه المدلول التصديقي الّذي هو الجعل في الجملة الإنشائية ، والثانية النسبة الاستثنائية الاقتطاعية وبإزائه مدلول تصديقي آخر ، ويشهد على ذلك الوجدان القاضي بأنَّ المتكلم إذا خالف الواقع في جملة المستثنى والمستثنى منه معاً كما إذا قال ( كُل إِنسان أسود إِلاَّ الزنجي ) كان بذلك قد كذب كذبتين.
وامّا وجه أوضحية المفهوم في الجملة الاستثنائية النافية كقولنا ( لا يجب إكرام العلماء إِلاَّ العدول ) فلأنَّ اقتناصه منها ليس بحاجة إلى إجراء مقدمات الحكمة في الحكم المسلوب بل حتى إذا كان شخصياً فاستثناؤه عن السلب إثبات له لا محالة في طرف المستثنى على أي حال وإِنْ شئت قلت : انَّ نفي الطبيعة لا يكون عقلاً إِلاَّ بانتفاء تمام حصصها فيكون الاستثناء منها إثباتا لا محالة واما إثبات الطبيعة فقد يكون بحصة خاصة ويكون الاستثناء بلحاظ شخص تلك الحصة الخاصة.
ثم انَّ المفهوم المدّعى في الاستثناء هو انتفاء طبيعيّ الحكم الثابت لعنوان المستثنى منه في المستثنى فلا ينافي مع ثبوت حكم مماثل له بعنوان آخر غير عنوان المستثنى منه ، كما لو ورد وجوب التصدق على الفقير الفاسق فانه لا يعارض مع مفهوم أكرم كل العلماء إِلاَّ الفساق ، لأنَّ طرف النسبة الاستثنائية التامة انما هو وجوب إكرام العالم وهو لا يصدق على وجوب إكرام الفقير ، وإِنْ شئت فقل : المستثنى منه
__________________
(١) الاستثناء إخراج عن الحكم المثبت في المستثنى منه كما أن الغاية انتهاء للحكم المثبت في المغيا وكلاهما من شئون النسبة التامة الملحوظة في طرف المستثنى منه والمغيا ولكنهما كما ذكرنا في الشرط لا يدلان على أكثر من تحديد تلك النسبة التامة وتشخيص مقدار صدقها فلا مفهوم بوجه أصلا ، ولكن لو فرض قبول المفهوم في الشرط لزم قبوله في تمام هذه الموارد التي يرجع القيد فيها إلى النسبة الحكمية التامة سواءً كان على نحو الشرط أو الغاية أو الاستثناء ، إذ سوف يكون الحكم ملحوظاً بنحو مستقل عن القيد فيمكن إجراء الإطلاق فيه لإثبات توقف طبيعي ذلك الحكم عليه وبالتالي انتفاء مطلق الحكم بانتفائه. ولعل هذا هو الوجه فيما افادته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) من جعل الميزان في المفهوم رجوع القيود إلى الحكم.