في مبحث الأوامر تفصيل هذه القرينة العقلية وما تقتضيه من الفرق بين وقوع الطبيعة في سياق الأمر ووقوعها في سياق النهي.
النقطة الثانية : انَّ هذه الاستغراقية المستفادة على أساس القرينة العقلية ليست استغراقية في مرحلة الحكم بل في مرحلة الامتثال ، إذ القرينة المذكورة لا تقتضي إثبات تعدد الحكم وانما تقتضي انَّ النهي أو النفي إذا تعلقا بالطبيعة على حد تعلق الأمر بها ، ففي مرحلة امتثال هذا الحكم الواحد لا يمكن امتثال النهي الّذي هو عبارة عن الزجر من أجل الانزجار إلاّ بترك جميع الافراد ، وهذا بخلاف الأمر بالطبيعة الّذي هو بعث من أجل الانبعاث نحو الطبيعة ، فانه يحصل بتحقيق فرد واحد منها.
فلا يمكن إثبات استغراقية الحكم وانحلاله إلى أحكام عديدة بعدد الافراد بمثل هذه القرينة العقلية ، بل لو فرض استفادة ذلك من النواهي فذلك بقرينة أخرى تقدم بيانها وتفصيل الكلام فيها في بحوث النواهي.
النقطة الثالثة : انَّ هذه الاستغراقية ليست عموما بل هو عبارة عن الشمولية المقابل للبدلية فانَّ الطبيعة في متعلق النهي أو الأمر قد تكون شمولية وقد تكون بدلية وهذا ليس عموماً لأنَّ العموم عبارة عن الدلالة على استيعاب افراد الطبيعة وضعا لا مجرد كون الطبيعة ملحوظة بنحو الشمولية كما هو الحال في موارد وقوع الطبيعة موضوعا أي متعلق المتعلق للأمر في مثل قولنا ( أكرم العالم ).
النقطة الرابعة : انَّ إفادة هذه الشمولية والاستغراق موقوفة على تمامية الإطلاق ومقدمات الحكمة ـ كما قاله المحقق الخراسانيّ ( قده ) (١) ـ لوضوح انَّ القرينة العقلية المذكورة غاية ما تقتضيه انَّ ما هو متعلق النهي أو النفي من الطبائع لا تنعدم إلاّ بانعدام تمام افرادها خارجا وامّا تحديد الطبيعة المتعلق بها النهي أو النفي هل انها الطبيعة المطلقة أو المقيدة فهذا خارج عن عهدتها وانما يتكفل بإثباته الإطلاق ومقدمات الحكمة كما هو واضح.
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٣٤