المحاولة الثانية ـ ما يستخلص من كلمات صاحب الكفاية ( قده ) (١) وحاصله ببيان فني : ان الكلام يحتوي على ثلاث دلالات :
١ ـ الدلالة التصورية للفظ على المعنى المحفوظة حتى في موارد صدور اللفظ من غير ذي شعور وقصد.
٢ ـ الدلالة التصديقية في مرحلة المراد الاستعمالي ، وهو الظهور الكاشف عن ان المتكلم يقصد إخطار المعنى وافهامه للسامع ، وهذه دلالة تصديقية باعتبار انها تكشف عن ثبوت القصد والإرادة التي هي امر حقيقي تصديقي وليس تصورا بحتا.
٣ ـ الدلالة التصديقية في مرحلة المراد الجدي ، وهو الظهور الكاشف عن انَّ المتكلم جاد في كلامه وليس بهازل ، بمعنى ان ما قصد افهامه للمخاطب مراد له حقيقة ولهذا قد تنثلم هذه الدلالة مع بقاء الأولى كما في موارد الهزل ، فان المدلول الاستعمالي وقصد إخطار المعنى إلى الذهن محفوظ فيها لأنه لو لا قصد الإخطار لما تحقق الهزل أيضاً ولكن لا جدية من وراء قصد الإخطار.
وهذه الدلالات الثلاث تختلف في الملاك والنكتة ، فان الدلالة الأولى التصورية البحتة ملاكها الوضع والعلقة الحاصلة بين اللفظ ومعناه ، وملاك الدلالة الثانية التصديقية في مرحلة المدلول الاستعمالي الظهور الكاشف عن ان المتكلم يقصد باللفظ إخطار معناه التصوري إلى ذهن المخاطب ، ومقوم هذه الدلالة ومحددها هو ما يعبر عنه بأصالة الحقيقة أي ظهور حال المستعمل في انه يقصد إخطار المعنى الحقيقي من اللفظ ، وملاك الدلالة الثالثة على المراد الجدي أصالة التطابق بين مقام الإثبات والثبوت وان كلما يذكره المستعمل إثباتا مراد ثبوتا.
وفي موارد التخصيص يكون المنثلم من هذه الدلالات ذاتا ـ فيما إذا كان المخصص متصلا ـ أو حجية ـ فيما إذا كان منفصلاً ـ الدلالة الثالثة لا الثانية فضلا عن الأولى ، لما تقدم من ان المراد الاستعمالي يمكن انحفاظه حتى مع الهزل وعدم الجد فلا موجب لرفع اليد عن أصالة الحقيقة التي هي ملاك تلك الدلالة.
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ٣٣٥ ـ ٣٣٦