الظهورات الجدية عن الحجية؟ والحاصل : معاملة العرف مع مثل هذين الدليلين معاملة المتعارضين دليل على عدم تمامية ما أفيد من انحلالية الظهور الثاني أعني أصالة الجد بل هو وحداني كالظهور الأول ، أي ان ما هو المدلول الاستعمالي للكلام هو المراد الجدي منه وبما انه لا يمكن في المقام جعل الدليل الثاني قرينة على استعمال الأربعة في ثلاثة ولذلك لا يمكن الجمع المذكور.
وقديما عند ما كنا نورد بهذا النقض على من كان يوافق صاحب الكفاية ( قده ) في محاولته هذه كان يلتزم بالتخصيص في العدد أيضا كالمثال المذكور ، فكنا نصعِّد النقض إلى مثل أكرمهما واحدهما زيد ثم يقول في دليل ثان لا تكرم زيدا ، فان إرادة وجوب إكرام أحدهما من أكرمهما أوضح فسادا ، وعلى كل حال فالنقض المذكور يتجه بعد الفراغ عن وجدانية التعارض عرفا في هذه الأمثلة.
واما الحلّ ، فبان أصالة الجد انما تجري بلحاظ ما هو كلام المتكلم كالصدق والكذب ، لأن الجد والهزل من شئون ما هو فعل المكلف وما هو فعله انما هو نفس الكلام لا المعنى والمحكي بالعرض ولذلك لا يتعدد الهزل ، ولا الكذب ولا يزدادان بعدم جدية العام وعدم إرادته في تمام مدلوله أو بعضه. فالحاصل : لا بد من التمييز بين ما يكون من شئون معنى الكلام ومحكيه كالغيبة مثلا التي هي بلحاظ المحكي فكلما كان الكلام يكشف عن غيبة افراد أكثر كانت الغيبة أكثر لأن الكشف أكثر ، وبين ما يكون من شئون الكلام نفسه كالجد والهزل والصدق والكذب فانهما لا يتعددان ولا يزدادان الا حيثما يتعدد فعل المكلف وهو كلامه لا حيثما يزداد ويتعدد مدلول كلامه الواحد.
هذا ولكن الإنصاف مع ذلك صحة ما ذهب إليه المحقق الخراسانيّ ( قده ) من انحلالية الظهور في الجد.
والدليل على ذلك : وضوح زيادة المئونة والمخالفة في موارد دوران الأمر بين تخصيص الأقل أو الأكثر كما إذا دار الأمر بين إخراج زيد فقط من خطاب أكرم كل عالم أو إخراجه ضمن نصف العلماء مثلا ، فان الوجدان والعرف قاضيان بزيادة العناية والمئونة في الثاني بالنسبة إلي الأول ولذلك يقتصر فيه على المتيقن وهو خروج