عملية الإفتاء ، فانه بعد الفراغ عن ثبوت حجية الفتوى فقهيا نبحث عن كيفية تعقلها وتخريجها صناعيا بنحو لا نحتاج إلى إثبات عناية زائدة علاوة على كبرى حجية الفتوى الراجعة إلى كبرى حجية رأي أهل الخبرة في حق غيره.
وتحقيق الحال في ذلك يكون بالبحث في ثلاث مراحل نتكلم في أولاها عن انه لو فرضنا الاختصاص في الوظائف الظاهرية فهل يحتاج تصحيح عملية الإفتاء إلى افتراض مئونة زائدة نثبتها ولو من نفس دليل جواز الإفتاء التزاما أم لا نحتاج إلى ذلك بل يمكن تخريج الحكم على القواعد؟ ونتحدث ثانيا عن تلك المئونة الزائدة المحتاج إليها وكيفية إمكان إثباتها. وثالثا عن أصل مسألة اختصاص الوظائف الظاهرية بالمجتهد وعدمه.
اما البحث في المرحلة الأولى ، فقد يقرب تخريج عملية الإفتاء في موارد الوظائف الظاهرية على القاعدة حتى على فرض اختصاصها بالمجتهد ، بأن الحكم الظاهري وإن كان مختصا بالمجتهد لتحقق موضوعه فيه دون المقلد ولكنه بذلك يصبح عالما بالحكم الواقعي المشترك بين المجتهد والمقلد تعبدا فيكون حاكما على دليل الإفتاء بالعلم والخبرة بمقتضى دليل التعبدية فيفتي المجتهد مقلديه بالحكم الواقعي المعلوم لديه بهذا العلم ، وهذا أمر على القاعدة لا يحتاج فيه إلى عناية زائدة بعد فرض دلالة دليل الحجية على الحجية والعلمية التعبدية. وفيه :
أولا ـ انما يتم هذا التخريج لو تمت أصوله الموضوعية في خصوص باب الأمارات المجعولة فيها الحجية والطريقية دون غيرها من موارد الأحكام الظاهرية.
وثانيا ـ انه في الأمارات أيضا لا يتم هذا البيان إلا على بعض المسالك أي بناء على أن تكون الحجية بمعنى جعل ما ليس بعلم علما.
وثالثا ـ حتى بناء على مسالك جعل الطريقية والعلمية أيضا لا يتم ذلك ، لأن القطع الموضوع للحكم بجواز التقليد انما هو القطع الحاصل عن خبرة وبصيرة وكونه من أهل الفن لا مطلق القطع ولو كان حاصلا من الرؤيا أو الجفر ، ومن الواضح ان دليل الحجية لا يعبد المفتي بكونه أهل خبرة وأهل الفن وان جعله عالما تعبدا نعم جواز الإفتاء والإسناد موضوعه مطلق العلم فيكفي قيام الحجة منزلة القطع الموضوعي في ترتيبه هذا لو قيل بأخذ العلم موضوعا فيه وإلا بان كان الموضوع نفس الواقع فالامر أوضح.