وعليه فالدلالة العرفية في مثل الدليل الدال على انَّ أصابع المرأة إذا قطعت ثلاثة منها لزم فيها دية قدرها ثلاثون منعقدة على انَّه لو قطعت أربعة لم تكن ديتها أقلّ من ذلك مع انَّ هذا هو الّذي ردع عنها الإمام عليهالسلام وطبق عليه عنوان القياس.
والجواب : انَّ ظاهر الرواية انَّ ردع أبان وتأنيبه انَّما كان بلحاظ تحكيمه لهذه الدلالة والملازمة على النصّ الشرعي ، لأنَّ أبان كان على أساس هذه الملازمة يطرح النصّ الشرعي الّذي كان يرده وهو في العراق بل استنكر على الإمام بذلك بعد سماعه النصّ منه وهذا مطلب آخر مؤداه طرح النص الشرعي والاعتراض عليه لوجود ملازمة عرفية أو ذوقية ومثله مردوع عنه شرعاً وفاسد عقلاً ، لأنَّه تحكيم للأذواق والمناسبات على الدين ولهذا قال له الإمام عليهالسلام ( انك أخذتني بالقياس ) وأين هذا من الأخذ بالظهور العرفي للسنة نفسها تحكيماً للملازمة العرفية لها لا عليها وإِن شئت قلت : بعد أَنْ ثبت انَّ حكم المرأة في باب الدية يختلف عن الرّجل في الجملة فلا تنعقد دلالة من هذا القبيل بل تنتفي وانَّما يبقى مجرد الاستذواق العرفي لمن هو بعيد عن مجموع القواعد والأحكام الشرعية وهو لا يمكن الاعتماد عليه لأنَّه قياس واستحسان وفي قبال النصّ.
ثم انَّه قد يقال : بامتياز الاستدلال بالسيرة المتشرعية على حجية الظهور على الاستدلال بالسيرة العقلائية ، من جهة انَّه قد يفترض وجود أمارة عقلائية مقدمة عند العقلاء على الظهور في مقام التزاحم معه بحيث انَّهم يعملون بها لا بالظهور مع كونها غير حجة شرعاً ولو للردع عنها كالقياس مثلاً فانَّه في مثل ذلك لا يمكن التمسّك بالسيرة العقلائية ، لأنَّ مجرد الردع عن الأمارة المزاحمة لا يعني حجية الظهور المخالف لها والمفروض انَّ العقلاء أيضا لا يعلمون به فلا يمكن إثبات حجيته ، وهذا بخلاف ما لو كان المدرك سيرة المتشرعة فقد يفرض فعليتها حتى مع وجود أمارة مزاحمة لكونها ملغاة شرعاً.
إِلاّ انَّ هذا التمييز مبني على أَنْ نسلك في الاستدلال بالسيرة العقلائية على مثل مسلك المحقق الأصفهاني ( قده ) من انَّ المقدار الثابت بها إمضاء الشارع لما وقع بالفعل خارجاً من تطبيقات السلوك العقلائي لا إمضاء النكتة والمبنى العقلائي الّذي اقتضى