التجري لعدم تمامية موضوعه.
ولنا في المقام كلامان. أولا ـ ان الصحيح هو التصور الثاني لا الأول ولا الثالث.
وثانيا ـ انه بناء على التصورين الآخرين أيضا نقول بقبح التجري.
اما الكلام الأول فحاصله : ان حق الطاعة تارة يكون حقا مجعولا وأخرى يكون حقا ذاتيا ، ومحل كلامنا هو الثاني لا الأول. وهذا الحق الذاتي ليس شأنه شأن الحقوق الأخرى التي لها واقع محفوظ بقطع النّظر عن القطع والشك نظير الحقوق الأخرى والتكاليف الشرعية ، بل يكون للانكشاف والقطع دخل فيه ، لأن هذا الحق بحسب الحقيقة حق للمولى على العبد ان يطيع مولاه ويقوم بأدب العبودية والاستعداد لأداء الوظيفة التي يأمره بها وليس بملاك تحصيل مصلحة له أو عدم إضرار به كما في حقوق الناس وأموالهم ، ففي حق المالك في ملكه قد يقال بان من أتلف مالا يتخيل انه لزيد ثم تبين انه مال نفسه لم يكن ظالما لزيد لأنه لم يخسره شيئا ولم يتعد على ماله ، واما هنا فالاعتداء بلحاظ نفس حق الطاعة وأدب العبودية ، ومن الواضح ان مثل هذا الحق الاحترامي يكون تمام موضوعه نفس القطع بتكليف المولى أو مطلق تنجزه لا واقع التكليف ، فلو تنجز التكليف على العبد ومع ذلك خالف مولاه كان بذلك قد خرج عن أدب العبودية واحترام مولاه ولو لم يكن تكليف واقعا.
وهذا هو معنى صحة التصور الثاني من التصورات المتقدمة.
واما كلامنا الثاني فهو انه لو فرض صحة أحد الاحتمالين الأول أو الثالث مع ذلك نقول بقبح الفعل المتجري به ، وذلك لبديهية أخرى ندعيها وهي ان الإقدام على الظلم وسلب الحق قبيح عقلا وإن لم يكن ظلما واقعا لعدم ثبوت حق كذلك ، وذلك ببرهان حكم العقل بالقبح في ارتكاب الخلاف في موارد تخيل أصل المولوية كما إذا تصور زيد ان عمرا مولاه ومع ذلك أهانه ولم يحترمه بما يناسب مقام مولاه من أدب الشكر والتقدير ، فانه لا إشكال ان صدور مثل هذا الفعل يعتبر في نظر العقل قبيحا وفاعله يعد مذموما ولو انكشف بعد ذلك ان عمراً لم يكن مولى له بل انكشف انه لا مولى له أصلا ، وموارد التجري من هذا القبيل ، فانه وإن لم يكن قد سلب حق المولى ـ بعد التنزل عن الكلام الأول ـ إلا انه كان قد أقدم عليه فيكون فعله بهذا