وبهذا ترجع غائلة الدور من جديد.
فانَّه يقال ـ مخصصية السيرة ليست من باب القرينية والحكومة على دليل حجية الإطلاقات بل من باب كاشفيتها الوجدانية أي
العلم بالخلاف فيكون الرادع معارضاً معه لو لا كونه علماً يسقط معارضه عن الحجية ، ولكن حيث انَّ حصول هذا العلم موقوف على عدم حجة على الردع كذلك والإطلاقات حجة كذلك بالفعل فلا تكون السيرة حجة.
الثاني ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني ( قده ) ، من انَّ المقام من موارد التزاحم بين المقتضي التنجيزي والتعليقي ، فانَّ مقتضي الحجية في الإطلاقات تنجيزي وهو الظهور وانَّما يحتمل عدم تأثيره لمانعية السيرة وامَّا مقتضي الحجية في السيرة فتعليقي لأن أصل حجيتها معلّق على عدم الردع ، وكلّما تزاحم مقتضيان من هذا القبيل قدم التنجيزي على التعليقي لتمامية المقتضي فيه وعدم المانع ، امَّا تمامية المقتضي فلأنَّه المفروض ، وامَّا عدم المانع عن تأثيره فلأنَّ ما يتصوّر كونه مانعاً انَّما هو تأثير المقتضي التعليقي ومانعيته مستحيلة لأنَّها دورية ، لأنَّ تأثير المقتضي التعليقي فرع وجود المقتضي وهو فرع عدم تأثير المقتضي التنجيزي فلو كان عدم تأثيره من جهة مانعية المقتضي التعليقي كان دوراً. إِذن فتأثير المقتضي التنجيزي لا مانع منه وامَّا التعليقي فيستحيل تأثيره للدور المذكور ، فانَّ تأثيره فرع وجوده وهو فرع عدم تأثير المقتضي التنجيزي وعدم تأثير المقتضي التنجيزي فرع وجود المانع وليس هو إِلاّ تأثير المقتضي التعليقي وهو دور.
ثمّ تصدّى ( قده ) لتقرير الدور في تأثير المقتضي التنجيزي أيضا ، لأنَّ تأثيره لا يكفي فيه مجرد وجود المقتضي بل لا بدَّ من إعدام المانع فيكون تأثيره موقوفاً على عدم المانع فلو كان إعدام المانع بنفس تأثيره كان دوراً.
وبهذا وقع هذا المحقق في مخالفة وجدانية واضحة ، إذ لازم ذلك عدم تأثير المقتضي التنجيزي في موارد ابتلائه بمقتضى تعليقي كما إذا كان هناك ماء واحد وكانت إرادة أحد الشخصين لشربه معلقة على عدم إرادة الآخر دون العكس مع وضوح انَّه في موارد من هذا القبيل لا محالة يؤثر المقتضي التنجيزي ويتعطّل التعليقي.
والصحيح ـ انَّ هذه المغالطة أيضا من تبعات المنهج المغلوط الّذي سار عليه هؤلاء