ثم لو فرض ذلك جريا مع مشرب هؤلاء الحكماء فلا موجب لدعوى الملازمة بين حكمهم وحكم الشارع فضلا عن التضمن لأن حكمهم انما يصدر عنهم باعتبار وقوعه في طريق المصالح التي يشخصونها لحفظ نظامهم والشارع سبحانه خارج عن دائرة تلك المصالح فأي ملزم بأن يكون تابعا لأحكامهم وللنظام الّذي يشخصونه لأنفسهم.
وقد يدعى في قبال ذلك استحالة جعل حكم شرعي واستكشافه في مورد حكم العقل لأن حكم الشرع انما يكون بداعي التحريك بتوسيط حكم عقلي في النهاية بلزوم الإطاعة وقبح المعصية ، والمفروض في المقام ان الحكم العقلي بالقبح ثابت منذ البداية فإذا كان محركا للعبد كفى وحصل المقصود بلا حاجة إلى توسيط جعل شرعي وإلا فلا فائدة في جعله وتوسيطه في البين لأنه وحده لا يكون محركا من دون حكم العقل بقبح المعصية.
وهذه الدعوى مع أصل دعوى الملازمة كلتاهما باطلة.
أما الأولى فلان إعمال المولى لمولويته في موارد الحسن والقبح يوجب تحقق ملاك ثان للحسن والقبح زائدا على الحسن والقبح الثابتين بالعنوان الأولي لذلك الفعل إذ يتحقق بذلك عنوان وملاك جديد هو إطاعة المولى ومعصيته بحيث تكون مخالفته حينئذ ظلما له فيتأكد الملاك العقلي ويتعدد فقد يكون محركا حينئذ للمكلف.
واما دعوى الملازمة فبطلانها من جهة ان الشارع تارة يكون غرضه في مقام حفظ الفعل الحسن وترك الفعل القبيح بنفس درجة الحافظية والمحركية الذاتيّة الثابتة في الفعل من ناحية حسنة أو قبحه واستحقاق المدح والثواب أو الذم والعقاب عليه ، وأخرى يكون غرضه في حصول مرتبة أشد وأرفع من ذلك بحيث يكون له اهتمام أكبر ، فعلى الأول لا موجب لافتراض إعمال المولى لمولويته وجعل حكم شرعي على وزان ذلك الحكم العقلي وانما يرشد إلى حكم العقل ويؤكده. وعلى الثاني فلا محالة يتصدى من أجل مزيد الحافظية والاهتمام إلى إعمال مولويته والأمر بذلك الفعل الحسن أو النهي عن الفعل القبيح شرعا. وتشخيص هذه المرتبة من الاهتمام قد يكون على أساس استظهار من دليل شرعي أو على أساس مناسبات ذوقية وعقلائية لا يمكن