القدرة ، وفيهم الضعفاء ومن في رتبتهم ، وهو منشأ ظهور الإختلاف الإختلاف الفطري الذي دعت اليه قريحة الاستخدام ، كما دعت هذه القريحة بعينها الى الاجتماع والمدنية .
ولا ضير في تزاحم حكمين فطريين ، اذا كان فوقهما ثالث يحكم بينهما ، ويعدل امرهما ، ويصلح شأنهما ، وذلك كالانسان تتسابق قواه في افعالها ، ويؤدي ذلك الى التزاحم ، كما ان جاذبة التغذي تقضي بأكل ما لا تطيق هضمه الهاضمة ولا تسعه المعدة ، وهناك عقل يعدل بينهما ، ويقضي لكل بما يناسبه ، ويقدر فعل كل واحدة من هذه القوى الفعالة بما لا يزاحم الاخرى في فعلها .
والتنافي بين حكمين فطريين فيما نحن فيه من هذا القبيل ، فسلوك فطرة الانسان الى المدنية ثم سلوكها الى الاختلاف يؤديان الى التنافي ، ولكن الله يرفع التنافي برفع الاختلاف الموجود ببعث الانبياء بالتبشير والانذار ، وانزال الكتاب الحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .
وبهذا البيان يظهر فساد ما ذكره بعضهم : ان المراد بالآية ان الناس كانوا أُمة واحدة على الهداية ، لان الاختلاف انما ظهر بعد نزول الكتاب بغياً بينهم ، والبغي من حملة الكتاب ، وقد غفل هذا القائل عن ان الآية تثبت اختلافين اثنين لا اختلافاً واحداً ، وقد مر بيانه ، وعن ان الناس لو كانوا على الهداية فإِنها واحدة من غير اختلاف ، فما هو الموجب بل ما هو المجوز لبعث الانبياء وانزال الكتاب وحملهم على البغي بالاختلاف ، واشاعة الفساد ، واثارة غرائز الكفر والفجور ومهلكات الاخلاق مع استبطانها ؟
ويظهر به ايضاً : فساد ما ذكره آخرون ان المراد بها ان الناس كانوا أُمة واحدة على الضلالة ، اذ لولاها لم يكن وجه لترتب قوله تعالى : فبعث الله النبيين « الخ » ، وقد غفل هذا القائل عن ان الله سبحانه يذكر ان هذا الضلال الذي ذكره وهو الذي أشار اليه بقوله سبحانه : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإِذنه ، انما نشاء عن سوء سريرة حملة الكتاب وعلماء الدين بعد نزول الكتاب ، وبيان آياته للناس ، فلو كانوا على الضلالة قبل البعث والانزال وهي ضلالة الكفر والنفاق والفجور والمعاصي فما المصحح لنسبة ذلك الى حملة الكتاب وعلماء الدين ؟