ويدل على العصمة عن الخطأ أيضاً قوله تعالى : « عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا » الجن ـ ٢٨ ، فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم ويؤيدهم على الغيب بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم ، والاحاطة بما لديهم لحفظ الوحي عن الزوال والتغير بتغيير الشياطين وكل مغير غيرهم ، ليتحقق إِبلاغهم رسالات ربهم ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن قول ملائكة الوحي « وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » مريم ـ ٦٤ ، دلت الآيات على أن الوحي من حين شروعه في النزول إِلى بلوغه النبي إِلى تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره .
وهذان الوجهان من الاستدلال وإِن كانا ناهضين على عصمة الانبياء عليهم السلام في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة فقط دون العصمة عن المعصية في العمل على ما قررنا ، لكن يمكن تتميم دلالتهما على العصمة من المعصية أيضاً بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسناً جائزاً كما لو قال : إِن الفعل الفلاني حسن جائز فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضاً منه فإِن فعله يناقض حينئذ قوله فيكون حينئذ مبلغاً لكلا المتناقضين وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق فإِن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلاً للآخر ، فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إِلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما لا يخفى .
ويدل على عصمتهم مطلقاً قوله تعالى : « أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » الانعام ـ ٩٠ ، فجميعهم عليهم السلام كتب عليهم الهداية ، وقد قال تعالى : « وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ » الزمر ـ ٣٧ .
وقال تعالى : « مَن يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ » الكهف ـ ١٧ ، فنفى
عن المهتدين بهدايته كل مضل يؤثر فيهم بضلال ، فلا يوجد فيهم ضلال ، وكل معصية ضلال كما يشير اليه قوله تعالى : « أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ إِن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ
جِبِلًّا كَثِيرًا » يس ـ ٦٢ ، فعد كل معصية ضلالاً حاصلاً بإِضلال الشيطان بعد ما عدها عبادة للشيطان فإِثبات هدايته