تعالى في حق الانبياء عليهم السلام ثم نفى الضلال عمن اهتدى بهداه ثم عد كل معصية ضلالاً تبرئة منه تعالى لساحة أنبيائه عن صدور المعصية منهم وكذا عن وقوع الخطأ في فهمهم الوحي وإِبلاغهم إِياه .
ويدل عليها أيضاً قوله تعالى : « وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا » النساء ـ ٦٨ ، وقال أيضاً : « اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ » الحمد ـ ٧ ، فوصف هؤلاء الذين أنعم عليهم من النبيين بأنهم ليسوا بضالين ، ولو صدر عنهم معصية لكانوا بذلك ضالين وكذا لو صدر عنهم خطأ في الفهم أو التبليغ ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى فيما يصف به الانبياء : « أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » مريم ـ ٥٩ ، فجمع في الانبياء أولاً الخصلتين : اعني الإنعام والهداية حيث أتى بمن البيانية في قوله وممن هدينا واجتبينا بعد قوله : أنعم الله عليهم ، ووصفهم بما فيه غاية التذلل في العبودية ، ثم وصف الخلف بما وصف من أوصاف الذم ، والفريق الثاني غير الأول لان الفريق الاول رجال ممدوحون مشكورون دون الثاني ، وإِذ وصف الفريق الثاني وعرفهم بأنهم اتبعوا الشهوات وسوف يلقون غياً فالفريق الأول وهم الانبياء ما كانوا يتبعون الشهوات ولا يلحقهم غي ، ومن البديهي أن من كان هذا شأنه لم يجز صدور المعصية عنه حتى انهم لو كانوا قبل نبوتهم ممن يتبع الشهوات لكانوا بذلك ممن يلحقهم الغي لمكان الإطلاق في قوله : أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غياً .
وهذا الوجه قريب من قول من استدل على عصمة الانبياء من طريق العقل بأن إِرسال الرسل وإِجراء المعجزات على ايديهم تصديق لقولهم . فلا يصدر عنهم كذب وكذا تصديق لاهليتهم للتبليغ ، والعقل لا يعد انساناً يصدر منه المعاصي والافعال المنافية لمرام ومقصد كيف كان أهلاً للدعوة إِلى ذلك المرام فإِجراء المعجزات على أيديهم يتضمن تصديق عدم خطائهم في تلقي الوحي وفي تبليغ الرسالة وفي امتثالهم للتكاليف المتوجهة اليهم بالطاعة .