يريد قطع عذر الناس في ما فيه المخالفة والمعصية وان لا قاطع للعذر الا الرسل عليهم السلام ، ومن المعلوم ان قطع الرسل عذر الناس ورفعهم لحجتهم انما يصح اذا لم يتحقق في ناحيتهم ما لا يوافق ارادة الله ورضاه : من قول أو فعل ، وخطاء أو معصية والا كان للناس ان يتمسكوا به ويحتجوا على ربهم سبحانه وهو نقض لغرضه تعالى .
فان قلت : الذي يدل عليه ما مر من الآيات الكريمة هو ان الانبياء عليهم السلام لا يقع منهم خطاء ولا يصدر عنهم معصية وليس ذلك من العصمة في شيء فإِن العصمة على ما ذكره القوم قوة تمنع الانسان عن الوقوع في الخطأ ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة ، وليست القوة مجرد صدور الفعل أو عدم صدوره وانما هي مبدء نفساني تصدر عنه الفعل كما تصدر الافعال عن الملكات النفسانية .
قلت : نعم لكن الذي يحتاج اليه في الابحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصية من النبي عليهالسلام ولا يضر في ذلك عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر .
ومع ذلك يمكن الاستدلال على كون العصمة
مستندة إِلى قوة رادعة بما مر في البحث عن الاعجاز من دلالة قوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا » الطلاق ـ ٣ ، وكذا قوله تعالى : « إِنَّ رَبِّي
عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
» هود ـ ٥٦ ، على أن كلاً من الحوادث يحتاج إِلى مبدء يصدر عنه وسبب يتحقق به ، فهذه الافعال الصادرة عن النبي عليهالسلام
على وتيرة واحدة صواباً وطاعة تنتهي إِلى سبب مع النبي عليهالسلام وفي نفسه وهي القوة الرادعة ، وتوضيحه : أن أفعال النبي المفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من نوع الافعال الاختيارية الصادرة عنا التي بعضها طاعة وبعضها معصية ، ولا شك أن الفعل الاختياري إِنما هو اختياري بصدوره عن العلم والمشية ، وإِنما يختلف الفعل طاعة ومعصية باختلاف الصورة العلمية التي يصدر عنها ، فإِن كان
المقصود هو الجري على العبودية بامتثال الامر مثلاً تحققت الطاعة ، وإِن كان
المطلوب ـ أعني الصورة العلمية التي يضاف اليها المشية ـ اتباع الهوى واقتراف ما نهى الله
عنه تحققت المعصية ، فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل ، ولو دام أحد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية وامتثال الأمر
الالهي لما صدر إِلا الطاعة ، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية ( والعياذ بالله )
لم يتحقق