« وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » البقرة ـ ٥٧ ، وقال تعالى : « وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ » الفاطر ـ ٤٣ ، وقال تعالى : « انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ » الانعام ـ ٢٤ ، وقال تعالى : « ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ » المؤمن ـ ٧٤ .
وبالجملة : عالم المجازاة ربما بدل الفعل من غير نفسه ، وربما نقل الفعل واسنده الى غير فاعله ، وربما أعطى للفعل غير حكمه الى غير ذلك من الآثار المخالفة لنظام هذا العالم الجسماني .
ولا ينبغي لمتوهم أن يتوهم أن هذا يبطل حجة العقول في مورد الأعمال وآثارها ويفسد الحكم العقلي فلا يستقر شيء منه على شيء ، وذلك أنا نرى أن الله سبحانه وتعالى ( فيما حكاه في كتابه ) يستدل هو أو ملائكته الموكلة على الامور على المجرمين في حال الموت والبرزخ ، وكذا في القيامة والنار والجنة بحجج عقلية تعرفها العقول . قال تعالى : « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ » الزمر ـ ٧٠ ، وقد تكرر في القرآن الإخبار بأن الله سيحكم بين الناس بالحق يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، وكفى في هذا الباب ما حكاه الله عن الشيطان بقوله تعالى : « وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم » إِبراهيم ـ ٢٢ .
ومن هنا نعلم : أن حجة العقول غير باطلة في نشأة الأعمال ودار الجزاء مع ما بين النشأتين أعني نشأة الطبيعة ونشأة الجزاء من الاختلاف البين على ما أشرنا اليه .
والذي يحل به هذه العقدة : ان الله تكلم
مع الناس في دعوتهم وإِرشادهم بلسان أنفسهم وجرى في مخاطباته إِياهم وبياناته لهم مجرى العقول الاجتماعية ، وتمسك بالاصول والقوانين الدائرة في عالم العبودية والمولوية ، فعد نفسه مولى والناس
عبيداً والانبياء رسلاً اليهم ، وواصلهم بالامر والنهي والبعث والزجر ، والتبشير والإنذار
،